فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكذلك فعل الخلفاء الراشدون. ففي وصية أبي بكر رضي الله عنه لأسامة بن زيد حين بعثه إلى الشام: «لا تخونوا. ولا تغلوا. ولا تغدروا. ولا تمثلوا. ولا تقتلوا طفلا صغيرا. ولا شيخا كبيرا. ولا امرأة. ولا تعقروا نخلا. ولا تحرقوه. ولا تقطعوا شجرة مثمرة. ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لمأكله. وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم له».
وهكذا كانت رحمة الإسلام في الحرب. ممثلة بمبادئه الإنسانية الرحيمة. فالإسلام حين يبيح الحرب يجعلها مقدرة بقدرها. فلا يقتل إلا من يقاتل في المعركة. وأما من تجنب الحرب فلا يحل قتله أو الاعتداء عليه {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194].
{وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} [البقرة: 190].
لقد حرم الإسلام قتل النساء. والشيوخ. والأطفال. وقتل المرضى والرهبان.
وحرم (المثلة) والإجهاز على الجريح. وتتبع الفارة. وتحريق البيوت والأشجار. وذلك تمشيئا مع نظرته الإنسانية المثلى. في حماية المستضعفين. ودفع الظلم والعدوان. ولأن الحرب كعملية جراحية. يجب ألا تتجاوز موضع المرض من جسم الإنسان.
فلا عجب أن نرى هذه الرحمة ممثلة في تعاليم القرآن. تدعوإلى الإحسان إلى الأسرى ثم إلى المن عليهم والفداء. حتى تنتهي المعركة لما فيه خير الإنسانية بانتصار الحق واندحار الباطل وصدق الله العظيم: {فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها}.
فلله ما أرحم الإسلام! وما أسمى مبادئه وأحكامه. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} أي أعرضُوا عن الإسلامِ وسلوكِ طريقةِ. منْ صَدَّ صُدودًا. أو منعُوا النَّاسَ عن ذلكَ مِنْ صدَّهُ صَدًَّا كالمُطعمينَ يومَ بدرٍ وقيلَ: هُم اثنا عشرَ رجُلًا من أهلِ الشركِ كانُوا يصدُّونَ الناسَ عن الإسلامِ ويأمرونَهُم بالكفرِ. وقيلَ أهلُ الكتابِ الذينَ كفرُوا وصدُّوا مَنْ أرادَ منْهم ومن غيرِهم أنْ يدخلَ في الإسلامِ. وقيلَ: هو عامٌّ في كلِّ مَن كفرَ وصدَّ {أَضَلَّ أعمالهم} أي أبطلَها وأحبطَها وجعلَها ضائعةً لا أثرَ لَها أصلًا. لكنْ لا بمعنى أنَّه أبطلَها وأحبطَها بعد أنْ لم تكُنْ كذلك بلْ بمَعْنى أنَّه حكَم ببطلانها وضياعِها. فإنَّ ما كانُوا يعملونَ من أعمالِ البرِّ كصلةِ الأرحامِ وقِرَى الأضيافِ وفكِّ الأُسارَى وغيرِها من المكارمِ ليسَ لها أثرٌ منْ أصلِها لعدمِ مقارنتِها للإيمانِ أوأبطلَ ما عملوا من الكيدِ لرسول الله صلى الله عليه وسلم والصدِّ عن سبيلِه بنصرِ رسوله وإظهارِ دينِه على الدِّينِ كُلِّه. وهو الأوفقُ لما سيأتِي من قوله تعالى: {فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أعمالهم} وقوله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ} الخ.
{والذين ءآمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات} قيلَ: هم ناسٌ من قُريشٍ وقيلَ: من الأنصارِ وقيلَ: هُم مُؤمنوأهلِ الكتابِ وقيلَ: عامٌّ للكُلِّ {وَءآمنوا بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ} خُصَّ بالذكرِ الإيمانُ بذلكَ مع اندراجِه فيما قبلَهُ تنويهًا بشأنِه وتنبيهًا على سُمومكانِه منْ بينِ سائرِ ما يجبُ الإيمانُ بهِ وأنه الأصلُ في الكُلِّ. ولذلكَ أُكِّدَ بقوله تعالى: {وهو الحق مِن رَّبّهِمْ} بطريقِ حصرِ الحقِّيةِ فيهِ. وقيلَ: حقِّيتُه بكونِه ناسخًا غيرَ منسوخٍ. فالحقُّ على هذا مقابلُ الزائلِ وعلى الأول مقابلُ الباطلِ. وأيًَّا ما كانَ فقوله تعالى من ربِّهم حالٌ من ضميرِ الحقِّ. وقرىء نزَّلَ على البناءِ للفاعلِ. وأَنزلَ على البناءينِ. ونَزَلَ بالتخفيفِ {كَفَّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم} أي سترَهَا بالإيمانِ والعملِ الصالحِ.
{وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} أي حالَهم في الدِّينِ والدُّنيا بالتأييدِ والتوفيقِ.
{ذلك} إشارةٌ إلى ما مرَّ من إضلالِ الأعمالِ وتكفيرِ السيئاتِ وإصلاحِ البالِ. وهو مبتدأٌ خبرُهُ قوله تعالى: {بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ اتبعوا الباطل وَأَنَّ الذين ءآمنوا اتبعوا الحق مِن رَّبِّهِمْ} أيْ ذلكَ كائنٌ بسببِ أنَّ الأولين اتَّبعُوا الشيطانَ كما قالهُ مجاهدٌ ففعلُوا ما فعلُوا منَ الكفرِ والصدِّ. فبيانُ سببيةِ اتباعِه للإضلالِ المذكورِ متضمنٌ لبيانِ سببيتِهما له لكونِه أصلًا مُستتبعًا لهما قطعًا وبسببِ أنَّ الآخرينَ اتبعُوا الحقَّ الذي لا محيدَ عنه كائنًا من ربِّهم ففعلُوا ما فعلُوا من الإيمانِ به وبكتابِه ومن الأعمالِ الصالحة فبيانُ سببيةِ اتِّباعِه لما ذُكرَ من التكفيرِ والإصلاحِ بعدَ الإشعارِ بسببيةِ الإيمانِ والعملِ الصَّالحِ له متضمنٌ لبيانِ سببيتِهما له لكونِه مبدًا ومنشًا لهما حتمًا فلا تدافُعَ بينَ الإشعارِ والتصريحِ في شيءٍ من الموضعينِ ويجوزُ أن يُحملَ الباطلُ على ما يُقابلُ الحقَّ وهو الزائلُ الذاهبُ الذي لا أصلَ له أصلًا فالتَّصريحُ بسببيةِ اتباعهِ لإضلالِ أعمالِهم وإبطالِها لبيانِ أنَّ إبطالَها لبطلأن مبناها وزوالِه. وأما حملُه على ما لا يُنتفعُ به فليسَ كَما ينبغِي لِما أنَّ الكفرَ والصدَّ أفحشُ منه فلا وجَه للتصريحِ بسببيتِه لما ذُكر من إضلالِ أعمالِهم بطريقِ القصرِ بعدَ الإشعارِ بسببيتِهما له فتدبر.
ويجوزُ أنْ يرادَ بالباطلِ نفسُ الكفرِ والصدِّ وبالحقِّ نفسُ الإيمانِ والأعمالِ الصالحةِ. فيكونُ التنصيصُ على سببيتِهما لما ذُكَرَ من الإضلالِ ومن التكفيرِ والإصلاحِ تصريحًا بالسببيةِ المُشعرِ بَها في المَوقعينِ {كذلك} أي مثلَ ذلكَ الضربِ البديعِ {يَضْرِبُ الله} أيْ يبينُ {لِلنَّاسِ أمثالهم} أي أحوالَ الفريقينِ وأوصافَهما الجاريةَ في الغرابةِ مَجْرى الأمثالِ وهي اتباعُ الأولين الباطلَ وخيبتُهم وخُسرانُهم واتباعُ الآخرينَ الحقَّ وفوزُهم وفلاحُهم والفاءُ في قوله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ} لترتيبِ مَا في حيزِها من الأمرِ على ما قبلها فإنَّ ضلالَ أعمالِ الكفرةِ وخيبتَهم وصلاحَ أحوالِ المؤمنينَ وفلاحَهم ممَّا يُوجبُ أنْ يرتّب على كلَ من الجانبينِ ما يليقُ به من الأحكامِ أيْ فإذَا كانَ الأمرُ كما ذُكِرَ فإذَا لقيتُموهم في المُحاربةِ {فَضَرْبَ الرقاب} أصلُه فاضربُوا الرقابَ ضربًا فحُذفَ الفعلُ وقُدِّمَ المصدرُ وأُنيبَ مُنابَهُ مُضافًا إلى المفعول. وفيِه اختصارٌ وتأكيدٌ بليغٌ. والتعبيرُ به عن القتلِ تصويرٌ له بأشنعِ صورةٍ وتهويلٌ لأمرِه وإرشادٌ للغزاةِ إلى أيسرَ ما يكونُ منْهُ.
{حتى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ} أي أكثرتُم قتلَهم وأغلظتمُوه. من الشيءِ الثخينِ وهو الغليظُ أوأثقلتمُوهم بالقتلِ والجراحِ حتَّى أذهبتُم عنهُم النهوضَ.
{فَشُدُّواْ الوثاق} فأْسِرُوهم واحفظُوهم. والوَثاقُ اسمٌ لما يُوثقُ بهِ وكذا الوثاقُ بالكسرِ. وقَدْ قرىء بذلكَ.
{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء} أيْ فإمَّا تمنونَ منًّا بعد ذلكَ أوتفْدونَ فداءً. والمَعْنى التخييرُ بين القتلِ والاسترقاقِ والمنِّ والفداءِ وهذا ثابتٌ عند الشافعيِّ رحمه الله تعالى وعندنَا منسوخٌ. قالوا نزلَ ذلكَ يومَ بدرٍ. ثُمَّ نُسخَ والحكمُ إما القتلُ أو الاسترقاقُ.
وعن مجاهدٍ ليسَ اليومَ منٌّ ولا فداءٌ إنما هو الإسلامُ أوضربُ العنقِ. وقرىء فدًا كعَصَا.
{حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا} أوزارُ الحربِ الاتُها وأثقالها التي لا تقومُ إلا بَها من السلاحِ والكُراعِ. وأُسندَ وضعُها إليها وهو لأهلها إسنادًا مجازيًا. وحتَّى غايةٌ عندَ الشافعيِّ لأحدِ الأمورِ الأربعةِ أوللمجموعِ. والمَعْنى أنَّهم لا يزالونَ على ذلكَ أبدًا إلى أنْ لا يكونَ مع المشركينَ حربٌ بأن لا تبقى لهم شوكةٌ. وقيلَ بأنْ ينزلَ عيسى عليه السلامُ وأما عند أبي حنيفةَ رحمه الله تعالى فإنْ حُملَ الحربُ على حربِ بدرٍ فهي غايةٌ للمنِّ والفداءِ والمعنى يُمنُّ عليهم ويُفادون حتى تضعَ حربُ بدرٍ أوزارَها. وإنْ حُملتْ على الجنسِ فهي غايةٌ للضربِ والشدِّ والمَعْنى أنهم يُقتلون ويؤسرون حتَّى يضع جنسُ الحربِ أوزارَها بأنْ لا يبقى للمشركين شوكةٌ.
وقيلَ أوزارُها اثامُها أي حتَّى يتركَ المشركونَ شركَهم ومعاصيَهم بأنْ أسلمُوا.
{ذلك} أي الأمرُ ذلك أوافعلُوا ذلك {ولويَشَاء الله لأنتَصَرَ مِنْهُمْ} لأنتقمَ منُهم ببعضِ أسبابِ الهلكةِ والاستئصالِ {ولكن} لم يشأْ ذلك {لّيَبْلُوبَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} فأمرَكم بالقتالِ وبلاكُم بالكافرينَ لتجاهدُوهم فتستوجبُوا الثوابَ العظيمَ بموجبِ الوعدِ والكافرين بكم ليعاجلَهم على أيديكُم ببعضِ عذابِهم كيْ يرتدعَ بعضُهم عن الكفرِ.
{والذين قُتِلُواْ في سَبِيلِ الله} أي استُشهدوا. وقرىء قاتلُوا أي جاهدُوا وقَتلُوا وقُتِلوا.
{فَلَن يُضِلَّ أعمالهم} أي فلنْ يُضَيِّعَها. وقرىء يُضَلَّ أعمالُهم على البناءِ للمفعول. ويضِلَّ أعمالَهم من ضلَّ وعنْ قَتَادةَ أنَّها نزلتْ في يومِ أحدٍ.
{سَيَهْدِيهِمْ} في الدُّنيا إلى أرشدِ الأمورِ وفي الآخرة إلى الثوابِ أوسُيْثبِّتَ هدايتَهم {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الجنة عَرَّفَهَا لَهُمْ} في الدُّنيا بذكرِ أوصافِها بحيثُ اشتاقُوا إليها أوبيَّنها لهم بحيثُ يعلم كلُّ أحدٍ منزلَه ويهتدي إليهِ كأنه كان ساكنَهُ منذُ خُلقَ وعن مقاتل: أنَّ الملكَ الموكلَ بعملهِ في الدُّنيا يمشي بين يديِه فيعرفُه كلَّ شيءٍ أعطاهُ الله تعالى. أوطيَّبها لهم من العَرْفِ وهو طيبُ الرائحةِ. أوحدَّدها لهم وأفرزَها. من عَرفُ الدَّارِ فجنةُ كلَ منهم محددةٌ مفرزةٌ. والجملةُ إمَّا مستأنفةٌ أو حال بإضمارِ قَدْ أوبدونِه. اهـ.

.تفسير الآيات (7- 11):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وللْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مولى الَّذِينَ آمنوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مولى لَهُمْ (11)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر القتال. تشوف السامع إلى حال المقاتل من النصر والخذلان فأجاب بما يعرف بشرط النصر فقال: {يا أيها الذين آمنوا} أي أقروا بذلك وإن كان في أدنى الدرجات بما أشعرت به أداة البعد والصلة بالماضي {إن تنصروا الله} أي يتجدد لكم نية مستمرة وفعل دائم على نصرة دين الملك الأعظم بإيضاح أدلته وتبيينها وتوهية شبه أهل الباطل وقتالهم. ويكون ذلك خالصًا له لا لغيره من النيات الفاسدة المعلو لة بطلب الدنيا أو الشهرة بالشجاعة والعلم وطيب الذكر الغضب للأهل وغير ذلك {ينصركم} فإنه الناصر لا غيره من عدد أو عدد فيقمع أعداء الدين بأيديكم.
ولما كان النصر قد يكون مع العجز والكسل والجبن والفشل بين أنه يحميهم من ذلك فقال: {ويثبت أقدامكم} أي تثبيتًا عظيمًا بأن يملأ قلوبكم سكينة واطمئنانًا وأبدانكم قوة وشجاعة في حال القتل ووقت البحث والجدال. وعند مباشر جميع الأعمال. فتكونوا عالين قاهرين في غاية ما يكون من طيب النفوس وانشراح الصدور ثقة بالله واعتزازًا به وإن تملأ عليكم أهل الأرض.
ولما ذكر أهل الإيمان. بين ما لأهل الكفران. فقال سبحانه: {والذين كفروا} أي ستروا ما دل عليه العقل وقادت إليه الفطر الأولى. وبين أن سوء أعمالهم أسباب وبالهم بالفاء.
فقال مؤكدًا بجعل الخبر مفعولا مطلقًا لأجل استبعادهم بما لهم من القوة بكثرة العدد والملاءة بالعدد: {فتعسًا} أي فقد عثروا فيقال لهم ما يقال للعاثر الذي يراد أنه لا يقوم: تعسًا لا قيام معه. كما يقال لمن عثر وأريد قيامه: تعسًا لك. والمراد بالتعس الأنحطاط والسفو ل والهوان والقلق.
ولما كان كأنه قيل: لمن هذا؟ قيل: {لهم} فلا يكادون يثبتون في قتال لمن صلحت من الأعمال.
ولما كان الإنسان قد يعثر ويقع ويقال له: تعسًا. ويقوم بعد ذلك. ولا يبطل عمله. بين أن قوله ليس كذلك. بل مهما قاله كان لا يتخلف أصلًا. فقال معبرًا بالماضي إشارة إلى التحتم فيه. وأما الاستقبال فربما تاب على بعضهم فيه عاطفًا على ما تقديره فقال تعالى لهم ذلك: {وأضل أعمالهم} وإن كانت ظاهرة الإيقان لأجل تضييع الأساس بالإيمان.
ولما بين ما صنع بهم ليجترئ به حزبه عليهم. بين سببه ليجتنب فقال: {ذلك} الأمر البعيد من الخير {بأنهم} أي بسب بأنهم {كرهوا} بغضوا وخالفوا وأنكروا {ما أنزل الله} أي الملك الأعظم الذي لا نعمة إلا منه. والذي أنزله من القرآن والسنة هو روح الوجود الذي لا يعاندونه. فلما كرهوا الروح الأعظم بطلت أرواحهم فتبتها أشباحهم. وهو معنى قوله مسببًا بيانًا لمعنى إضلال أعمالهم: {فأحبط} أي أبطل إبطالًا لا صلاح معه {أعمالهم} بسبب أنهم أفسدوها بنياتهم فصارت وإن كانت صورها صالحة ليس لها أرواح. لكونها واقعة على غير ما أمر به الله الذي لا أمر إلا له يقبل من العمل إلا ما حده ورسمه. وهذا وعيد للأمة بأنها إن تخلت عن نصر الله والجهاد في سبيله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكلها سبحانه إلى نفسها وتخلى عن نصرها وسلط عليها عدوها. ولقد وجد بعض ذلك من تسلط الفسقة لما وجد التهاون في بعض ذلك والتواكل فيه.
ولما كان لا يستهين بهذه القضايا ويجترئ مثل هذه البلايا إلا من أمن العقوبة. ولا يأمن العقوبة إلا من أعرض عن الله سبحانه وتعالى. وكان يكفي في الصد عن الأمرين وقائعه تعالى بالأمم الخالية لأجل تكذيب رسله ومناصبة أوليائه والاعتداء على حدوده. قال منكرًا عليهم وموبخًا لهم تقدمًا إليهم بالتحذير من بطشه وسطوته وشديد أخذه وعقوبته. مسببًا عن كراهيتهم المذكورة وما تأثر عنها من العداوة لأهل الله: {أفلم يسيروا} أي بسبب تصحيح أعمالهم وبنائها على أساس {في الأرض} أي التي فيها آثار الوقائع فإنها هي الأرض في الحقيقة لما لها من زيادة التعريف بالله {فينظروا} عقب سيرهم وبسبه.
ولما كانت وقائعه خلعة للقلوب بما فيها من الأمور الباهرة الناطقة بها ألسنة الأحوال بعد التنبيه بالمقال. ساق ذلك بسوقه في أسلوب الاستفهام مساقًا منبهًا على أنه من العظمة بحيث يفرغ الزمان للعناية بالسؤال عنه فقال: {كيف كان عاقبة} أي آخر أمر {الذين} ولما كان يمكنهم معرفة ذلك من جميع المهلكين. نبه بإثبات الجار على أنهم بعضهم بل بعض المكذبين للرسل. وهم الذين سمعوا أخبارهم ورأوا ديارهم بعاد وثمود ومدين وسا وقوم لوط فقال تعالى: {من قبلهم} ولما كان كأنه قيل: ما لهم؟ قال: {دمر الله} أي أوقع الملك الأعظم الهلاك العظيم الداخل بغير إذن. الهاجم بغتة {عليهم} بما علم أهاليهم وأحوالهم وكل من رضي فعالهم أو مقالهم. وعدل عن أن يقول: ولهؤلاء إلى قوله: {وللكافرين} تعميمًا وتعليقًا للحكم بالوصف وهو العراقة في الكفر. فكان فيه بشارة بأن بعضهم سينجيه الله تعالى من أسباب الهلاك لكونه ليس عريقًا في الكفر. لأنه لم يطبع عليه {أمثالها} أي أمثال هذه العاقبة.
ولما بين أن يعلي أولياءه ويذل أعداءه. بين علته فقال: {ذلك} أي الأمر العظيم الذي فعله بالفريقين {بأن الله} أي بسبب أن الملك الأعظم المحيط بصفات الكمال {مولى الذين آمنوا} أي القريب من المصدقين به المرضين له. فهو يفعل معهم بما له من الجلال والجمال ما يفعل القريب بقريبه الحبيب له. قال القشيري: ويصح أن يقال: أرجى آية في كتاب الله هذه الآية لأنه لم يقل: الزهاد والعباد وأصحاب الأو راد والاجتهاد.
يعني بل ذكر أدنى أسنان أهل الإيمان.
{وأن الكافرين} أي العريقين في هذا الوصف {لا مولى لهم} بهذا المعنى. لأنهم بعيدون من الله الذي لا يعبد على الحقيقة إلا هو. فلا ينفعهم قرب قريب أصلًا وإن كان الله مو لاهم بغير هذا المعنى بل بمعنى أنه سيدهم ومالكهم. وفيه إيماء إلى أنه سبحانه وتعالى ولي من لم يكن عريقًا في الكفر فيخرجه من الظلمات إلى النور. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم إنه تعالى لما بيّن ما على القتال من الثواب والأجر وعدهم بالنصر في الدنيا زيادة في الحث ليزداد منهم الإقدام فقال: